يحكى أن ” بنادق ورد”
بنادق ورد
يحكى أن جندياً في جيش دولة الجبابرة في أقصى الشمال ، كان من أشد الجند حبا لدولته و إطاعة لقائده و كان مضرب مثل لكل أفراد ثكنته في الإلتزام و النشاط و الإنضباط ، و لم يكن ذلك العام له عام رفاهية فقد كانت خطط الحاكم لدولة الجبابرة تنص على ضم الدول التي تقع في الجنوب الى ملكه ، و في شهر نيسان من ذلك العام قسم الملك الجيش قسمين قسم يتجه الى دولة الصخور و قسم يتجه الى دولة الورود و كان صديقنا في الجيش المتجه الى دولة الورود .
سرعان ما تحركت أرتال الجنود و بيدهم البنادق و المدافع فدخلوا دولة الصخور بصعوبة و كان القتال فيها شرساً و قد راح ضحية الحرب معظم رجال تلك الدولة و بعض من النساء و الأطفال و ربع جنود الجيش بعد شهر واحد ، كانت أخبار النصر تتوالى لجنود الجيش المتجه للمدينة الأخرى و كان صديقنا يهتف لمدة ساعة فرحاً بالنصر ممجدا الملك و لكن سرعان ما يجلس متوتراً يعلو حاجبيه الشك و الخوف فلقد أصدر قائد الجيش الأوامر بالتوقف على حدود دولة الورود منذ شهر بعدم دخول تلك المدينة إلا عندما يأمر هو فتسلل الملل و الضجر للجنود و لصديقنا و معهما نكهة السؤال بطعم القهوة السيء الذي يرد لهم كل صباح و مساء ، متى سندخل و نحقق النصر و نهتف لملكنا و لدولتنا ؟!
و في منتصف شهر أيار جاء الأمر بالدخول عبر الحدود و أصدرت الأوامر بأن لا يستخدم الجنود سلاحهم ضد السكان ، و بدأت الفيالق تمر عبر القرى بسلام و الناس ينظرون إلى الجيش بخوف و رهبة و كان الجيش يبقي على بعض جنوده في كل قرية يمر بها لضبط الناس و البحث عن أي مجموعات للمقاومة و لكن ما لا يعرفه الجنود أن سكان هذه الدولة لا يعرفون سوى زراعة الورد في كل مكان ، لا يعرفون معنى السلاح و الدم و الحرب و لا يعرفون القتل و السلب و النهب و كانت تلك الدولة تنتهي عند البحر العظيم ، و كان صديقنا الجندي المختار لترأس مجموعة الجنود في أخر قرية في تلك الدولة على شاطىء البحر العظيم .
لم يكن الجنود و صديقنا في منتهى السعادة بل على العكس تماماً فقد كان الحزن يعلو الوجوه و الصمت هو السائد فلا نصر بعد حرب و معركة و لا طلقات و قذائف تتهاوى على البيوت و لم يكن طعم النصر كما في دولة الصخور و لم تكن تلك الهتافات التي كانت تطلق من قبل تسمع هنا عند الشاطىء ، كان صديقنا و جنوده يقيمون على تلة أمام البحر في بيت صغير مهجور هادىء كان الجنود يعملون منذ الصباح و يستريحون عند وقت الغداء و ينامون بعد العشاء فلا مقاومة تذكر و لا خوف يتسرب و لا شك يعيش في النفوس ، إلى أن جاء ذلك اليوم حين نام الجنود عصراً و استيقظوا على صراخ أحدهم فقد كانت بنادقهم مزروعة بالورد فقد وضع أحدهم وردة على فوهة كل بندقية ، فصرخ صديقنا و هو غاضب :ما هذا أنها مقاومة نحن في خطر يجب علينا معرفة الفاعل و تقديمه للمحاكمة بل و إعدامه أمام الناس ليكون عبرة لمن يعتبر! نزل الجنود الى القرية و جمعوا أهلها صغيرهم و كبيرهم في الساحة العامة للقرية و صرخ بهم الجنود بالسؤال عن الفاعل و لكن كانت المفاجأة أن الكل يعمل في الورود و الكل يزرع الورد أينما حل ، سكت الجنود و معهم قائدهم و رجعوا الى ثكنتهم العسكرية للتشاور لا يمكن أخراج الفاعل مباشرة علينا إستدراجه و مراقبة بنادقنا خارجا لنعرف من الفاعل و هذا ما كان فزرع الجنود بنادقهم في الأرض و أختفوا خلف تلة صغيرة لمراقبة المنطقة ، و بعد عدة أيام ظهرت فتاة ذات وجه مشرق كما شمس البحر المقابل لهم ترتدي ثوباً جميلا لا يتعدى جمالها و معها أطفال صغار تقودهم الى تلك الأرض ليزرعوا الورود ، و في لحظة بدأت تلك الفتاة الجميلة بزراعة الورد في كل مكان و ما أن وصلت البنادق حتى بدأت تعلم الأطفال كيفية زراعة الورد في فوهة البندقية ، و هنا ظهر الجنود بسرعة البرق و أحاطوا بالفتاة و الصغار و ما كان مذهلاً أن أحداً من الأطفال لم يشعر بالخوف أبداً ، فبدأ صديقنا بالصراخ و تهديد الفتاة و السؤال لماذا يقومون بهذا الفعل الشنيع ؟ قالت الفتاة : أنا معلمة لهؤلاء الأطفال و لا نرى بما فعلنا شيئا قبيحا! قال الجندي : هذه بنادقنا و هي حياتنا و ما تفعلونه شيء ستعاقبون عليه. قالت المعلمة : و ما هي البنادق و ماذا تعمل ؟! صمت الجنود و نظر كل واحد منهم الى الأخر فأكملت المعلمة : نحن نعرف الورد و نعيش به نشتري الطعام بالورد و نرسل تحياتنا بالورد و نشكر بالورد فهو كل شيء بالنسبة لنا ، قال الجندي و قد ظهرت على وجهه تلك الصدمة : أذهبي من هنا أرجوا منك المغادرة حالاً ، نظرت المعلمة الجميلة الى الأطفال و قالت لهم هيا بنا لنزرع الورد في مكان أخر.
لم يتكلم الجنود من صدمتهم ذلك اليوم مع بعضهم البعض أبداً ، و لم يسمع في تلك الليلة سوى بكاء قائدهم لغاية الفجر و في الصباح لم يكن هنالك أي جنود في الثكنة ، كانت هنالك بنادق مزروعة بورود في فوهاتها ، و ملابس جنود على الأرض و أعلن الجيش بعد شهر من البحث عن فقدانهم و بقيت البنادق مزروعة بالورد الى يومنا هذا و لا يعلم أحد مكان الجنود.