حب على خارطة الشتاء , جـــ 3 ـ

عدد المشاهدات 1110

تهادت في ذلك الصباح الجميل فراشةُ ذات لون أزرق و أحمر, على أنف دعبل المستلقي على ضفاف المستنقع. فتح دعبل عيناهُ مبتسما و راقب تلك الفراشة و هو صامت مبتسم, ما لبثت أن غابت تلك الابتسامة في كهف الحزن العميق,- فالذكريات قد عادت بدعبل إلى أيام سونه و مطاردة الفراش حول المستنقع- جلس دعبل ولم يطارد تلك الفراشة كما كان يفعل في السابق بل جلس ينظر أليها مراقبا حركتها العشوائية التي تسير في خط مستقيم منتظم , و تذكر كم كانت سونه تحب الفراشات و مطاردتها و كم كانت سونه تتخطى تلك الفراشات جمالا و رونقا , ولم يدرك دعبل في تلك اللحظة أنه يجلس و الدموع تترقرق من عينيه , و أكمل مراقبة تلك الفراشة التي تداعب خيوط الشمس الذهبية تارةً و تارةً أخرى تداعب زهور المستنقع الجميلة , بعد برهة قرر دعبل العودة إلى المنزل لكي يرى ما يحتاجه البيت من حاجيات و لمساعدة و والدته في شؤون البيت .

في الطريق مر دعبل بقريته العزيزة فبيت دعبل يقع في نهاية القرية , و على جنبات الطريق شاهد العم زين صاحب المخبز فصرخ العم زين : أهلا يا دعبل كيف حالك يا عزيزي ؟.
فقال دعبل بصوت عالٍ : أهلا يا عم زين كيف حالك و ما هي أخبارك و أخبار المخبز ؟. صمت العم زين برهة و بدء بالصراخ على كعوش العامل الذي يعمل عنده قائلاً : ألم تنتهي بعد يا كعوش أنك لولد كسول . فضحك دعبل وقال في نفسه : لم يتغير العم زين أبدا , أكمل دعبل الطريق وتذكر كم كانت سونه تحب خبز العم زين و كم من مرة ذهبا معا لشراء الخبر من العم زين, كم كانت تحب سونه العم زين و خبزه الطازج الشهي فعلم دعبل أن العم زين لم يرد عليه لأنه قد تذكر سونه فسونه كانت دائما تلازم دعبل في حله و ترحاله , و فضل العم زين أن لا يكمل الحديث مع دعبل لكي لا يذكره بسونه .
و بعدها شاهد مجموعه من الأطفال الصغار المشاغبين يصدرون صوتا مزعجا , ومعهم المعلمة فرفوشه و هي تصطحب الأطفال في جولة حول المستنقع لعمل درس تطبيقي فسمع دعبل المعلمة فرفوشه تقول : أصمتوا يا صغار . و الصغار يزدادون إزعاجاً و حركه , فقالت المعلمة فرفوشه : سوف نتعلم اليوم كيفيه الاختباء من الطيور المفترسة , فصمت الجميع وقام الجميع بالنظر إلى المعلمة فرفوشه و الانتباه إلى الدرس .

مرة أخرى أكمل دعبل مسيره نحو منزله و بدء بالغناء :
أحبك أحبك
فرونق قلبك يأسرني .
أحبك أحبك
فابتسامة وجهك تملكني .
فشمس الصباح ذهبية
تعانق شوقي إليك إليك فتلهمني .
ولكن للأسف سونه لم تكن هناك لترد عليه كما كانت تفعل دائما فقد كانت ترد عليه بقولها :
أحبك أحبك
فطيبة قلبك تعجزني .
أحبك أحبك
فروحك الرائعة تجذبني .
فشمس الصباح ذهبية
تعانق شوقي إليك إليك فتلهمني .

نعم فسونه ودعبل قبل الحادثة و بفترة ليست طويلة قد كسرا حاجز الصمت الذي كان يعتريهما و أفصح كل منهما للأخر عن حبه و قد ألفا هذه الأغنية .

و في خضم دندنة دعبل شاهد هرمز و ربوش على قارعة الطريق الغربي و هما يحاولان اقتناص و سرقة العم روحي صاحب البقالة فأبتسم دعبل ابتسامة صفراء وقال في نفسه : أنهما لا يتغيران .

أكمل دعبل طريقه و هو يغني و لاحظ أن العم روحي يطارد كلا من هرمز و ربوش بعصا كبيره بعد أن سرقا قطعة من الحلوى , و كالعادة أن لم يمسكهما سوف يتوجه إلى بيتهما ليأخذ سعر ما أخذاه من دون أذن , وأكمل دعبل طريقه غير مكترث بما يحدث ولكنه أنتبه لأم جرجور تمسك بطفلها جرجور الصغير من على شرفه المنزل و تشرح له أين تقع حدود المستنقع لكي لا يخرج منها , و أكمل دعبل الطريق وحده و هو يغني :
أحبك أحبك
فرونق قلبك يأسرني .
أحبك أحبك
فابتسامة وجهك تملكني .
فشمس الصباح ذهبية
تعانق شوقي إليك فتلهمني .
فيصمت لبرهة وجيزة ما يلبث أن يكمل لوحده ما كانت تردده سونه فيغني و يقول :
أحبك أحبك
فطيبة قلبك تعجزني .
أحبك أحبك
فروحك الرائعة تجذبني .
فشمس الصباح ذهبية
تعانق شوقي إليك إليك فتلهمني .

إلى أن وصل البيت فوجد والده على غير العادة جالسا في البيت و علم دعبل بأن  والده كان بانتظاره من أجل أمر مهم .

Bookmark and Share

يمكنك متابعة التعليقات الخاصة بهذه التدوينة من خلال الخلاصات.